فصل: التحليل اللفظي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال: «خيرًا»، فقرأ عليها {قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا} الآيات.
وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقيّ من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدّثتني خولة بنت ثعلبة قالت: فيّ، والله، وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه، فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيء، فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ثم رجع، فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ، فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ، وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فما برحت حتى نزل القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سري عنه، فقال لي: «يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك»، ثم قرأ عليّ: {قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ} إلى قوله: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مريه، فليعتق رقبة»، قلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: «فليصم شهرين متتابعين»، قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: «فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر»، قلت: والله ما ذاك عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنا سأعينه بعرق من تمر»، فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، فقال: «قد أصبت، وأحسنت، فاذهبي، فتصدّقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا،» قالت، ففعلت وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} قال: هو الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، فإذا قال ذلك فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح، ولا غيره حتى يُكَفر بعتق رقبة {فَمَنْ} فإن {لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} والمسّ: النكاح {فَمَنْ} فإن {لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا} وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنث، فلا يقربها حتى يُكَفّر، ولا يقع في الظهار طلاق.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: ثلاث فيه مدّ: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الصيام.
وأخرج البزار، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال: أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني ظاهرت من امرأتي، فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر، فوقعت عليها قبل أن أُكفر، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألم يقل الله: {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}»، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال: «أمسك عنها حتى تُكَفر» وأخرج عبد الرزاق، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقيّ عن ابن عباس أن رجلًا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي، فوقعت عليها من قبل أن أُكفر، فقال: «وما حملك على ذلك»؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله» وأخرج عبد الرّزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبو داود، والترمذيّ وحسنه، وابن ماجه، والطبراني، والبغوي في معجمه، والحاكم وصححه عن سلمة بن صخر الأنصاريّ قال: كنت رجلًا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فرقا من أن أصيب منها في ليلي، فأتتايع في ذلك، ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء، فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي، فأخبرتهم خبري، فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بأمري، فقالوا: لا، والله لا نفعل نتخوّف أن ينزل فينا القرآن، أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها؛ ولكن اذهب أنت، فاصنع ما بدا لك قال: فخرجت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته خبري، فقال:
«أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، قال: «أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، قال: «أنت بذاك؟» قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا، فأمض فيّ حكم الله، فإني صابر لذلك، قال: «أعتق رقبة»، فضربت عنقي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحقّ ما أصبحت أملك غيرها، قال: «فصم شهرين متتابعين»، فقلت: هل أصابني ما أصابني إلاّ في الصيام؟ قال: «فأطعم ستين مسكينًا»، قلت: والذي بعثك بالحقّ لقد بتنا ليلتنا هذه وحشًا ما لنا عشاء، قال: «اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له، فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا ستين مسكينًا، ثم استعن بسائرها عليك، وعلى عيالك» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليّ، فدفعوها إليه. اهـ.

.قال الصابوني في الآيات السابقة:

{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (1)}
سورة المجادلة:
[1] الظهار وكفارته في الإسلام:

.التحليل اللفظي:

{سمع الله}: السمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة، والحياة والإرادة، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفا بهما.
ومعنى السميع: المدرك الأصوات من غير أن يكون له أذن لأنها لا تخفى عليه.
قال أبو السعود: ومعنى سمعه تعالى لقولها: إجابة دعائها، لا مجرد علمه تعالى بذلك: كما هو المعني بقوله تعالى: {والله يسمع تحاوركمآ} أي يعلم تراجعكما الكلام.
{تجادلك}: أي تراجعك في شأن زوجها، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة وفي الحديث: «ما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا» والمراد بالحديث الجدل على الباطل، وطلب المغالبة به، لا إظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] والمراد هنا: المراجعة في الكلام.
{وتشتكي}: الشكوى إظهار البث وما انطوت عليه النفس من الهم والغم، وفي التنزيل: {قال إنمآ أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] وشكا واشتكى بمعنى واحد.
{تحاوركمآ}: المحاورة المراجعة في الكلام، من حار الشيء يحور حورا أي رجع يرجع رجوعا، ومنه حديث: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» ومنه فما أحار بكلمة أي فما أجاب. قال عنترة:
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ** ولكان لو علم الكلام مكلمي

يريد به فرسه أي لو كان يعلم الكلام لكلمني.
{يظاهرون}: الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي. ومعناه الأصلي: مقابلة الظهر بالظهر يقال: ظاهر فلان فلانا أي قابل ظهره بظهره، ثم استعمل في تحريم الزوجة بجعلها كظهر أمه.
قال الألوسي: الظهار لغة مصدر ظاهر، وهو (مفاعلة) من الظهر، ويراد به معان مختلفة، راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض.
فيقال: ظاهر زيد عمرا أي قابل ظهره بظهره حقيقة.
وظاهره إذا غايظه وإن لم يقابل حقيقة، باعتبار أن المغايظة تقتضي ذلك.
وظاهره إذا ناصره، باعتبار أنه يقال: قوى ظهره إذا نصره.
وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر.
وظاهر من امرأته إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي.
وهذا الأخير هو المعنى الذي نزلت فيه الآيات.
قال في (الفتح): وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء، لأنه محل الركوب غالبا، ولذلك سمي المركوب ظهرا، فشبهت المرأة بذلك لأنها مركوب الرجل.
{اللائي}: جمع التي، فيقال: اللاتي، واللائي قال تعالى: {والاتي تخافون نشوزهن} [النساء: 34].
{منكرا}: المنكر من الأمر خلاف المعروف، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر.
{وزورا}: الزور: الكذب، والباطل الواضح، ومنه شهادة الزور.
{فتحرير رقبة}: حررته أي جعلته حرا لوجه الله. والرقبة في الأصل: العنق ثم اطلقت على ذات الإنسان تسمية للشيء ببعضه، والمراد بها المملوك عبدا أو أمة.
قال الألوسي: وذلك من تسمية الكل باسم الجزء.
{يتماسا}: المس: مسك الشيء باليد، ثم استعير للجماع لأنه لمس والتصاق، لأن فيه التصاق الجسم بالجسم، والتماس هنا: كناية عن الجماع.
{مسكينا}: المسكين الذي لا شيء له، وقيل الذي لا شيء له يكفي عياله، وأصل المسكين في اللغة الخاضع...
والمراد به هنا ما يعم الفقير، والمسكين أحسن حالا من الفقير. وقد قالوا: المسكين والفقير إذا اجتمعا يعني (في اللفظ) افترقا (في المعنى) وإذا افترقا اجتمعا.
{حدود}: الحد: الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر وجمعه حدود.
وحدود الله: الأشياء التي بين تحريمها وتحليلها، وأمر أن لا يتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها ومنع من مخالفتها.
وهنا قوله: {وتلك حدود الله} يعني الحدود بين معصيته وطاعته، فمعصيته الظهار، وطاعته الكفارة.

.المعنى الإجمالي:

إن الله تعالى سميع قريب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وهذه امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها، حيث حرمها على نفسه بلفظ كانت الجاهلية تستعمله، أفيبقى هذا اللفظ محرما في الإسلام؟!
جادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجهت بالدعاء إلى المولى جل وعلا، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، تشكو إليه وحدتها، فلا أهل لها، ولا معيل ولا نصير، وقد كبر سنها، وأولادها صغار، إن أبقتهم عنده ضاعوا، وإن ضمتهم إليها جاعوا.
ورسول الله صلوات الله عليه لا يشرع من قبل نفسه، وإنما يتبع الوحي الذي يأتيه من ربه، ولم يوح إليه في الظهار بشيء، ولذلك ما كان يجزم بالتحريم، وإنما كان يقول: «ما أراك إلا قد حرمت عليه» فكانت تجادله.
استجاب الله دعاء هذه المرأة الضعيفة الوحيدة، ونزل الوحي ليقول للزوج: زوجك التي ظاهرت منها ليست بأمك، فأمك هي التي ولدتك حقيقة، وحرمت عليك بذلك، فكيف تصف ما أباحه الله لك بما حرمه عليك؟ إنك تقول قولا يمقته الشرع فضلا عن كونه كذبا وزورا، ومع ذلك فإن الله عفو عمن أخطأ ثم تاب، غفور لمن وقف عند حدود الشرع، واتبع أمر الله الذي أنزله على نبيه.
فمن ظاهر من زوجه وقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم أراد أن ينقض قوله، ويعود إلى ما أحله الله له من زوجه، فالواجب عليه أن يحرر عبدا مملوكا قبل أن يمس زوجه، هذا حكم من ظاهر ليتعظ به المؤمنون، ويعلموا أن الله جل وعلا خبير بكل ما يعملونه، فعليهم أن ينتهوا عما نهاهم عنه.
فمن لم يجد الرقبة بأن كان لا يملك ثمنها، أو لا يجد عبدا يشتريه ويعتقه فليصم شهرين متتابعين من قبل أن يقرب زوجه، فإذا كان ضعيفا لا يقوى على الصوم، أو مريضا يضعفه الصوم، فعليه أن يطعم ستين مسكينا ما يشبعهم، ذلك هو حكم الله في الظهار، لتؤمنوا بأن هذا منزل من عند الله تعالى وتتبعوه، وتقفوا عند حدود ما شرع لكم فلا تتعدوها.

.سبب النزول:

أولا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تبارك الذي وسمع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة، فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب البيت أسمع كلامها، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها وتقول: يا رسول الله: أبلى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات».